كتب : محمد الهلاوى
تنتهي اليوم الخميس مناورات رعد الشمال بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة أركان الجيوش المشاركة في التحالف.. ورعد الشمال يعد ثاني أكبر تجمع عسكري في تاريخ المنطقة (بعد عاصفة الصحراء) وأضخم تجمع عسكري إسلامي في العصر الحديث..
وفي حال تجاوزنا الأرقام العسكرية واللوجستية نكتشف أن مجرد تنظيم هذه المناورات في شمال المملكة يقدم مجموعة قوية من الرسائل المبطنة للجهات المعنية .. تخبرهم بأن السعودية دولة صلبة يمكنها أن تحارب وتناور على عدة جبهات .. وأنها قادرة على حشد تحالفات عسكرية وسياسية في وقت قياسي.. وأنها تملك صواريخ نووية وأسلحة برية وطائرات مقاتلة تتفوق نوعيا على من يسعى لاستهدافها.. تخبر الجميع أنها تملك قبل كل هذا شعبا على استعداد للتطوع بأكمله فداء لأرضه (كما فعل في حرب الخليج) وجنودا أوفياء على استعداد للموت والشهادة وتقديم أرواحهم فداء للدين والوطن ..
قد لا تضطر السعودية لدخول حرب جديدة، ولكن مجرد معرفة أعدائها بقوتها العسكرية يجعلهم يعيدون التفكير كثيرا قبل الاقتراب من حدودها .. فقوة المسدس لا تكمن في عدد طلقاته ولا قوة ذخيرته؛ بل في علم الطرف الآخر أنك تملكه، ويمكنك إخراجه عند اللزوم !
القوة تكمن في علم الآخرين بأنك مسلح وحصين دون أن تضطر لكشف أوراقك فعليا .. مجرد علمهم بذلك يشكل قوة ردع ضدهم ويمنحك يدا عليا في أي مفاوضات تخصنا أو تخصهم.. لو تأملت أسباب قوة روسيا وأميركا (وبقية الدول النووية) لأدركت أنها تعود الى “السمعة” التي بنتها حول امتلاكها أسلحة ردع شاملة (دون أن تضطر فعلا لاستعمالها) .. فمجرد علم أميركا بامتلاك روسيا لصواريخ عابرة للقارات منعها من مواجهتها بشكل مباشر في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، ومجرد امتلاك باكستان لمخالب نووية جعلها تفرض نوعا من توازن القوى مع الهند ومجرد امتلاك كوريا الشمالية صواريخ بالستية منع أميركا من نزع سلاحها بالقوة كما فعلت مع العراق وأفغانستان ..
وفي المقابل؛ ما احتلال البلدين الأخيرين وتمدد الصفويين في المنطقة (ناهيك عن الاعتداءات المستمرة على لبنان والأراضي المحتلة) إلا مثال حي على ضعف العرب وسمعتهم العسكرية الهشة وعلم أعدائهم أنهم لا يخبئون أي مسدس تحت معاطفهم .. فمهما تحدثنا ومهما بررنا تظل الحقيقة الأبرز هي أننا شعوب دفعت كثيرا ثمن ضعفها العسكري وتشرذمها السياسي. فالأمم تحترم بعضها البعض وتصل لمرحلة الاستقرار والاتفاق طالما تساوت قواها العسكرية والاقتصادية.. وفي المقابل تنشب المعارك والأزمات الكبرى حين يرتفع المستوى العسكري لدولة واحده فقط في المنطقة (وفي حالتنا نحن إيران وإسرائيل) بحيث تبدو معهما دول الجوار ضعيفة وسهلة المنال .. لهذا السبب يأتي رعد الشمال ليعيد التوازن (ليس فقط عسكريا) بل وحتى ذهنيا وإعلاميا من خلال رسم صورة الدولة القوية.. يأتي ليغير الموازين ويخبر الآخرين أن السعودية دولة قوية وتحتل بالفعل المركز السابع كأقوى دولة في العالم (من حيث قوتها العسكرية وقدرتها على تشكيل التحالفات العسكرية
.. لسنا طلاب حرب، ولكننا على استعداد لفعل ذلك إن تطلب الأمر.. ورعد الشمال مجرد رسالة بقدرتنا (ليس فقط على حشد قوات وأسلحة متطورة) بل وحشد جيوش حليفة يمكنها الحضور من عشرين دولة..